الحاكمية ١

08-05-2020

- ١ -   الحاكمية

 

كانت ولا تزال مسألة وحيدة شغلت رأي العام العالمي من قدم التاريخ إلى اليوم ويحتاج إلى الحل السريع هي؛ هل "الحكم" لله تعالى فقط أم يكون الحكم للطغاة دور منه؟

 

أهل التوحيد والطغاة:

إن المسألة الوحيدة التي تفرق بين أهل التوحيد وبين الطغاة هو الحكم ، لأن الأنبياء والذين اتبعوهم من الناس قد أخبرونا بأن الحكم حقٌ لله تعالى لا لسواه.

"إن الحكم إلا لله!"

من يقول ويعترف بهذه الحقيقة قد يكون من أهل التوحيد والإيمان ويكون من المسلمين الذين يطالبون بإعطاء الحكم للأشخاص أو الجماعات أو الشعب من الشعوب وكأنما هم بذلك يقولون ب ـ "إن الحكم إلا لله".

إذاً الذين يقولون بمقولاتهم ويفكرون بأفكارهم بصرف النظر عن نياتهم يصيرون بذلك طغاة وعباد الطغاة ومشركين وكفاراً. وهي من أشد المجادلات المستمرة في عالمنا اليوم. وتأسس لها محاكم خاصة ويجلس على رأس هذه المحاكم جيوش الطغاة ويهاجم شرطة الطغاة أهل التوحيد الذين يقولون؛ بـ "إن الحكم إلا لله" ويسجنونهم ويعذبونهم ويحقرونهم أشد العذاب و الاحتقار.

 

الحاكمية - الطاغوت – الموحد:

ولابد من تعريف هذه المصطلحات الثلاث جامعة لأفرادها مانعة لأغيارها وتعلمها من قبل جميع الناس بشكل قطعي:

 

الحاكمية:

كما قلنا في مختلف بياناتنا وفي بعض منشوراتنا ونكررها هاهنا كذلك بناءً على أهمية الموضوع حتى لا يبقى عند أحد شيء مجالاً من الريب.

الحاكمية: هي أعلى مقام وأعلى سلطة ومنزلة قول التي لا يمكن أن يصل إليه مستوى الفكر أو مقام أو سلطة للإنسان. وهو يحاسب الجميع ولكن لا يستطيع أن يحاسبه أحد، ولا يرفض أوامره ونواهيه وهدايته التي أرشدنا إليها وفرائضه وشريعته. إذاً تسمى هذه السلطة بـ "الحاكمية" ولا تعطى هذه السلطة إلاّ الله فقط. من يقبل ويصدق لوجود هذه السلطة عند نفسه أو غيره أو عند شعب من الشعوب أفما يجعل نفسه أو غيره في مكان الله ويشرك به، وهكذا يكون صنماً وطاغياً ومشركاً وفي النهاية يكون كافراً.

 

الطاغوت:

إذا نظرنا إلى كلمة الطاغوت: فهي كلمة مأخوذة من مصدر الطغيان وهى بمعنى: من جاوز القدرَ والحدَّ وغلى في الكفر وهى تأتى في القرآن ثمانية مرات، وهى أيضاً بمعنى: معارضة لشرعة الله، ومعارضة الإيمان والحق والحقيقة ومجاوزة الحدود والنظام التي شرعها الله تعالى لعباده. وبتعبير آخر رفع القوانين التي شرعها الله تعالي على عباده وإصدار القوانين تبعاً لأهوائهم أو لأهواء الناس أو لأهواء ومطالب بعض الشعوب من قبل برلمان الشعب. إذاً تسمى هذه القوانين والذين يصدرونها بـ "الطغاة و الصنم والمشرك وعباد الأصنام". يوجد نظامان يحكمان على الشعوب والدول؛ أحدهما "الشريعة الإسلامية" والأخرى "أنظمة الطغاة". وإن نظام الشريعة واحدة وهو النظام الذي أنزله وأرسله الله تعالى إلينا وهو نظام الإسلام والقران لا يتغير ولا يبدل إلى يوم القيامة. أما النظم الأخرى هي؛ الطغاة والصنم والشرك، مهما يكن أسمائهم. وانطلاقاً من هذه النقطة نقول:

إن النظام الفاشي طاغوت، النظام الشيوعية طاغوت، النظام الاشتراكي طاغوت، النظام الرأسمالي طاغوت، النظام الديموقراطي طاغوت، النظام العلماني طاغوت، والنظام الكمالي طاغوت وكل النظم التي تفصل بين الدين والدولة طاغوت، والنظام الذي يلبس الحق بالباطل طاغوت.

وهذا إن جميع أشكال الدولة والنظم غير شريعة الله مهما كان اسمها تعتبر ذات أنظمة طاغوتية وصنمية ومشركة وكافرة. حيث إن أخذ أو قبل أحد من المسلمين إحدى هذه النظم أو أخذ قسماً من الشريعة وقسماً من هذه النظم يذهب بإيمانهم ويبطل نكاحهم ولن يصلى عليهم. وحتى لا يؤكل ذبيحتهم وإن ادعوا كونهم مسلمين وإن صلوا وصاموا وحجوا ودخلوا الكعبة وقبلوا حجر الأسود، وهم قد أشركوا بالله وصاروا مشركين بكلمة واحدة فقط.

 

الموحد:

وهو اسم فاعل يأتي من مصدر "التوحيد" وهو نقيض الشرك ويفيد معنى ضد الشرك. والموحد أيضاً: هو الذي يطبق ويعيش ويعمل بمعنى جملة "لا إله إلا الله" في رأسه وفى قلبه وفى جميع أفعاله وأقواله، (أي هو الذي يعتقد بوحدانية الله فقط). وفي نفس الوقت هو الذي يقبل نظام الشريعة فقط دون سواها، ويرفض أنظمة أخرى جميعاً، وينكرهم ويقرر بالشريعة فقط، ويحب الشريعة أكثر من ماله ونفسه ويحترمها. وفى النهاية لا يخشى إلاّ الله فقط. ويخبرنا الإسلام بشكل قطعي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي صنع الفلك وأمواج البحار والنجوم اللامعة والأنهار الجارية والجبال الراسية والراسخة والإنسان الدائر وفي النهاية هو الذي خلق جميع المخلوقات.

وهناك كثير من آيات القران الكريم التي تبين وتقرر لنا هذه الحقيقة. وهذه الآيات قوله تعالى:

١ - إنّ ربّكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يغشى الليل النّهار يطلبه حثيثاً والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين. (الأعراف:٥٤)

٢ - أم لهم آلـهـة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون. (الأنبياء:٤٣)

وتذكر لنا هذه الآية أن جميع الأجسام الفضائية في فلك يسبحون. كانت نظرية  Batlamius معتبرة فيما بين العلماء عند نزول الآيات الكريمة وهي: أن محرك الشمس والقمر هو الفلك. ولكن حينما أخبرتنا الآية بأن الشمس والقمر كل في فلك يسبحون لهدم نظرية Batlamius. وبذلك أثبت العلم اليوم أن هذه المخلوقات كل واحد منهما يسبحون في الفلك كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم، إن القدرة الإلهية هي التي خلقت السفن بلا عدد يسبحون في الفلك بلا تصادم بعضهم ببعض. قوله تعالى:

٣ - الرّحـمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان. (الرحـمن:١-٤)

٤ - الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتّخذ ولداً ولم يكن لّه شريك في الملك وخلق كّـل شيءٍ فقدّره تقديراً. (الفرقان:٢)

 

هو الله الخالق الواحد الرازق الواحد الذي يرزق الأنس والجان والحيوانات وجميع المخلوقات، يرزقهم ويحضر رزق الجميع. قوله تعالى:

١ - إن الله هو الرّزّاق ذو القوّة المتين. (الذاريات:٥٨)

٢ - الله الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم هل من شركائِكم مّن يفعل من ذلكم مّن شيءٍ سبحانه وتعالى عمّا يشركون. (الروم:٤٠)

٣ - وما من دابّـة في الأرض إلاّ على الله رزقها و يعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتاب مبينٍ. (هود:٦)

وهاهنا حقيقتان أفادتا وجود الخالق والرازق.

 

وحصيلة هذين الحقيقتين هي أن يكون هو صاحب القول والحكم على جميع الموجودات التي خلقها ورزقها. وهناك الآيات القرآنية التي تفيد وتؤيد هذا المعنى وهذه الحقائق. قوله تعالى:

١ - ...ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كلّ شيءٍ قديرٌ (المائدة:١٧)

٢ - ألم تعلم أنّ الله له ملك السماوات والأرض. (المائدة:٤٠)

 

إذاً الله سبحانه وتعالى صاحب ومنظم جميع الأشياء التي خلقها، ولا يشاركه سبحانه تعالى في ملكه وإدارته أحد ولا في إصدار القوانين! قوله تعالى:

١ - وعنت الوجوه للحيّ القيّوم وقد خاب من حمل ظلماً. (طه:١١١)

٢ - وقل الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن لّه شريك في الملك ولم يكن لّه وليّ مّن الذّلّ وكبّره تكبيراَ. (الإسراء:١١١)

 

إن كلمة "الملك" تأتى بمعنى الحكم والإدارة، كما تأتى بمعنى الصاحب وكذلك يسمى رئيس الدولة ب"الملك" بفتح الميم وكسر اللام بناءً على حكمه. وإذا نظرنا إلى الآلهة المزورة الباطلة أنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً، لا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون!.. قوله تعالى:

١ - قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله هو السّميع العليم. (المائدة:٧٦)

٢ - إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً. (مريم:٤٢)

 

إذاً الخالق والرازق والمالك هو الله ؛ يتصرف في ملكه كما يشاء هو ولا شريك له. لا يسأل عما يفعل وأنتم تسألون يوم يقوم الحساب. قوله تعالى:

١ - قل اللّهمّ ملك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيءٍ قدير. (آل عمران:٢٦)

٢ - والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم (البقرة:٢٤٧)

٣ - أم يحسدون النّاس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مّلكاً عظيماً. (النّساء:٥٤)

 

ولنرجع إلى العقول البشرية:

نأخذ المسألة من زاوية منطق البشر و نسأل أصحاب عقول السليمة والمنطق الإنساني ونقول: هل "الحاكمية" لصاحب الملك أم للآخرين، خصوصاً أن صاحب الملك هو في نفس الوقت الخالق ولكن الآخرين هم مخلوقون.

ويقول أصحاب العقول السليمة ومنطق البشر ؛ طبعاً الحاكمية لصاحب الملك وله حق تصرف في ملكه و يفعل كما يشاء إن هذا شيء طبعي. لأنه إذا ملك إنسان متاعا وباعها إلى إنسان آخر أو يهبها لإنسان آخر بلا مقابل أو يأتمن إلى جار للاستعمال؛ من يستطيع إنكار صاحب هذا المتاع. إذا عارض أحد هذه الحقيقة فيعارض الآخرون، ويقولون له ليس لك الحق في ذلك، أما يقولون هذا ملكه وهو يتصرف في ملكه كيف يشاء هذا حقه.

إذا كانت المسألة هكذا في حقوق البشر أليس من الطبيعيّ وأولى أن يكون هكذا في الحقوق الإلهي ولماذا لا؟.. لأنه هو صاحب الملك الحقيقي! هو الذي يخلق ويربى ويرزق ويتلطف بالنعمة بلا حدود. وأيضاً هو الذي يعرف حقوق المخلوقات بأدق شكل. إذا أخذنا في اعتبار النظر بهذه الحقيقة نرى هو الذي إله الحق، هو الذي صنع وخلق حياة الإنسان والإنسان والكون. إذاً هو الذي صانع فعل الحقيقي والمتصرف الحقيقي في جميع هذه الأشياء والموجودات، وهو الذي يحقق التوازن بين الناس ويتدبّر حياة الإنسان. وفى النهاية لا يحق لأحد أن يعترض ويتدخل في أفعاله تعالى و قوانينه التي شرعها للناس وفى الحقيقة أنه سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان خلقه في أحسن تقويم و بمختلف إحساس وقابلية وجهزه بمختلف أجهزة في إيجاد شكله وتصويره و أكمله بالحواس الخمس التي يحتاجها الإنسان في حياته ولم يترك شيئاً ناقصاً. {فتبارك الله أحسن الخالقين}

ومن ذلك يعلم الله سبحانه وتعالى بأدق الشكل بمفسدات الإنسان ومصلحته وبحقوقه وبحركاته وأحواله التي تليق بشرفه وبالجملة علاقاته ومناسباته وارتباطاته مع نفسه ومع غيره من المخلوقات، نزل بشريعة ونظام يتناسب مع هذه الحقائق. إنه شريعة ونظام لا يتعارض مع خلقية بني آدم وروحه وطبيعته وهذه الشريعة والنظام متوافق مع مادية الإنسان ومعنويته، لاإفراط ولا تفريط، لا نقصان ولا زيادة. قوله تعالى:

١ - ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. (الملك:١٤)

٢ - ...والله يعلم وأنتم لا تعلمون. (البقرة:٢١٦)

٣ - شرع لكم مّن الدّين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه كبُر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب. (الشورى:١٣)

٤ - ثمّ جعلناك على شريعة مّن الأمر فاتّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون. (الجاثية:١٨)

 

والنتيجة:

نفهم من كل هذه البيانات ‎أن الحاكمية لله تعالى فقط وهذا من خصوصيات الإلهية. والله سبحانه وتعالى وحيد متفرد في هذه الخصوصية لا شبيه له ولا مثيل له ولا شريك له. إذاً لا يمكن أحد من البشرية أن يدعى أو ينسب الحاكمية لغير الله سبحانه وتعالى. إذاً "المشرّع" أي الذي يضع القانون هو الله سبحانه وتعالى فقط. هو الذي يحلل ويحرم يأمر وينهى، كل ما أحله الله هو حلال وما حرمه فهو حرام.

وبناءً على ذلك لا صلاحية ولا حق لأحد لغير الله سبحانه وتعالى أن يضع القوانين ويبين ويحدد الحلال والحرام والمباح، ومن يقوم بذلك العمل يضع نفسه في مكان الله يدخل في الكفر والشرك ويرتد ولا يصلى عليه.

لذلك هذا هو المعنى التي يتضمنه كلمة التوحيد من آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم؛ جميع الأنبياء والمرسلين جاءوا وبلّغوا هذه الحقيقة. قوله تعالى:

وما أرسلنا من قبلك من رّسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون (الأنبياء:٢٥)

 

ويشهد كلمة "لا إله إلاّ الله " إن الحكم إلا لله تعالى فقط. وسوف نرجع إلى هذا الموضوع في الفصل القادم.

 

جمال الدين بن رشيد خوجا أوغلي (قابلان)


RISALE

ZÄHLER

Heute 278
Insgesamt 3608299
Am meisten 7043
Durchschnitt 1480