الحاكمية ١٢

08-05-2020

- ١٢ -   الحاكمية

 

فلنفكر موضوع الحاكمية من ناحية العبادة والعبودية:

الألوهـية: هي ادعاء الألوهية.

والربوبية: هي ادعاء الربوبية أي خالق السموات والأرض هو الإله والرب أيضاً ومع ذلك هو المعبود لا تصلح العبودية لغيره، إن قول "لا إله إلا الله" تعبير عن إثبات الألوهية له وأن قول "لا معبود إلا هو" أو "لا رب إلا هو" تعبير عن إثبات الربوبية والعبودية له عز وجل.

وكلها من مسائل الإيمان. وبناء على ذلك فعلى كل مسلم أن يصدق ويؤمن بشروط الإيمان وشروط الإسلام الخمس وأيضاً عليه أن يقول "لامعبود إلا هو، لا رب إلا هو" في إثباتها لله عز وجل، هذا هو الأساس.

وأيضاً عليه أن يقول: "لا واضع إلا هو" أي لا يستحق وضع القانون إلا هو، عليه أن يؤمن به ويصدقه، هذا هو الأساس.

وبهذا الاعتبار أن أحداً إن أعطى الناس صلاحية وضع القانون وقال: إن هؤلاء الناس يستطيعون التقنين {وضع القانون} وقال كما قال الأتاتوركيون والحزبيون: "إن الحكم إلا للشعب" فهو متخذ هذا الشعب ونواب البرلمان ومن أتى بهذا المبدأ ونفسه أرباباً معبودة، وآلهة.

وإذا أردنا أن نوضح هذا السلوك الخطير: إن الذين يؤمنون بحاكم غير الله سبحانه وتعالى أي يؤمنون بما وضعه الناس من القوانين غير الشريعة الإسلامية فهم يقبلون ويؤمنون لأنفسهم أرباباً معبودة ثلاثاً وآلهة ثلاثاً، الشعب، نواب البرلمان، ومن أتى بهذا المبدأ! والذي أتى بمبدأ الحكم فهو مصطفى كمال السلانكي.

انظر هذه الآيات: سورة التوبة آية:٣١، سورة يوسف آية:٤٠، سورة القصص آية:٦٨-٧٠، سورة المجادلة آية:٥-٦، سورة الأعراف:٥٤.

نعم أعيد هنا مرة أخرى تحت أضواء هذه الآيات وأقول: إن معبود الأتاتوركيين والحزبيين وربهم وإلههم هو الشعب ونواب البرلمان وسلانكي {أتاتورك}. وبالإختصار: إن النظام الأتاتوركي الموجود في تركيا معبود ورب وإله الذين يقومون بتطبيق هذا النظام والذين سلكوا في هذا الطريق والذين يدعمونهم.

وبناء على أهمية هذا الموضوع -قبل أن نختم هذا الموضوع- فلنذكر هنا آراء بعض العلماء الذين شاهدوا على المخاطرات وعلى سياقة الأمة طوعاً أو كرهاً، ولم يخافوا أحداً ولم يداهنوا الأمراء ولا الحكام ولا النواب العامة الذين رأستهم الدولة ونصبتهم ولم يرغبوا بأنفسهم عن مقامهم ولا عن مرتبتهم فلم يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.

ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، وكان مفتياً في المملكة العربية السعودية، وهو يقول: إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الوح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل:

...فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً (النساء:٥٩)

انظروا إلى الآية التالية كيف سلب الله تعالى الإيمان من هؤلاء وقال فيهم تعبير غير المؤمنين، وهكذا قال الله تعالى:

فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مّمّا قضيت ويسلّموا تسليماً (النساء:٦٥)

فرأيتم : أن تحكيم الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم من نزاع وغيره ثم أن عدم وجود حرج في أنفسهم مما قضاه صلى الله عليه وسلم وأن الاستسلام حق الاستسلام لتأمين بقاء الإيمان، وإلا لخروج عن الملة الإسلامية بدرجة أن الآية الكريمة تبدأ بكلمة "لا" وتستمر بالقسم وتختم الآية بمصدر مؤكد يدعم الإستسلام! وكل هذا يوضح لنا أن الاعتصام بالشريعة الإسلامية وأن الاتباع بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن تحكيم القرآن الكريم لبيان كونه قضية من قضايا الإيمان وأن عكس ذلك تعبير عن الوقوع في اللادينية. قال الله تعالى:

ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً (النساء:٦٠)

كما أن الله عز وجل يأمر المؤمنين بأنه إن تنازع المؤمنين في شيء فليردوه إلى الله ورسوله كذلك يأمر المؤمنين بأن يتحاكموا في المحاكم التي تحاكم بالشريعة الإسلامية، أي كما ينبغي أن يكون الحكم والحاكم شرعيان كذلك ينبغي أن تكون المحاكم شرعية. وبتعبير آخر فعلى المسلم أن يكون مسلماً في كل حالاته وأوضاعه وهذا أمر إلهي. وكما قلنا مراراً إن صيانة ورعاية الدولة الإسلامية إن كانت موجودة أو إقامتها إن لم تكن موجودة فريضة على كل مسلم ومسلمة كذلك رعاية وصيانة المحاكم التي تحاكم بالشريعة الإسلامية أو تأسيسها إن لم تكن موجودة لأمر إلهي.

ويقول المفتي الذي ذكر اسمه سابقاً انطلاقاً من هذه النقطة: "رفع الله الإسلام من الذين يتحاكمون إلى المحاكم التي تحاكم بغير الشريعة الإسلامية ونفى الإيمان من أمثال هؤلاء الناس."

وقال تعالى: ...ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... هم الظالمون...هم الفاسقون

وكما نرى أن الله سبحانه وتعالى قد كذب الذين يزعمزن أنهم آمنوا ورد الله زعمهم الإيمان، وباعتبار النتيجة قال سبحانه وتعالى: لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلاً بل أحدهما ينافي الآخر. لأن أحدهما محاكم الله تعالى والآخر محاكم الطواغيت. إن كلمة الطاغوت مشتق من كلمة الطغيان. والطغيان هو تجاوز الحد والعصيان على الله تعالى. وبتعبير آخر هو حكمه بالقوانين التي هي صنع البشر لا بما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم ووقوفه أمام المحكمة والحاكم الذي نصبه الطاغوت. وإذا تساءلتم عن السبب فعلى كل مسلم أن يحكم بما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وبالشريعة التي بلغها. وكذا التحاكم إلى المحكمة. ما معنى التحاكم إلى الطاغوت والحكم بقوانين الطاغوت؟ هو تجاوز الحق وكفره وظلمه وفسقه... وبناء على هذا السبب فيقول رب العالمين عز وجل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... هم الظالمون... هم الفاسقون... 

انظر أن الله سبحانه وتعالى يسجل ويبين ويصرح أن الذين لا يحكمون بما أنزل الله تعالى من أحكام وقوانين ونظم إنه لا يليق لله عز وجل أن يكفّر أحداً وأنه ليس بكافر ويعلن كفره إلى يوم القيامة. لذلك أعلن كفر هؤلاء ؛ أما كفرهم فإما كفر عملى، و إما كفر اعتقادى.

 

تفسير ابن عباس:

كما روي طاوس وغيره عن ابن عباس أن الذين لا يحكمون بما أنزل الله فقد كفروا إما كفراً اعتقادياً وهذا ينقل الإنسان عن الملة الإسلامية وإما كفر عملي وهذا يورد الإنسان إلى كونه ظالماً وفاسقاً لا ينقل عن الملة الإسلامية. والأول هو كفر اعتقادي وهذا خمسة أنواع:

١  إن الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله ويجحد كون أحكام الله ورسوله حقاً فهذا هو كفر بواح ولا شك في كفر أمثال هذا الحاكم، لأنه مقرر في الأصول باتفاق العلماء إن جحد أحد شيئاً من أصول الدين الإسلامي أو قضية فرعية أجمعت عليه أو كلمة أو حرفاً مما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر كفراً يخرج عن الملة الإسلامية.

٢ - الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله تعالى لا يجحد كون أحكام الله ورسوله أي قوانين الشريعة الإسلامية حقاً ولكنه يعتقد أن القوانين الوضعية خير وأحسن وأكمل وأعدل وأشمل في قضاء حوائج البشر وأنسب للأزمنة المتغيرة ويعتقده هكذا فأيضاً لا شك في كفر أمثال هؤلاء الحكام والقضاة، والسبب في ذلك هو ترجيح قوانين المخلوقين على القوانين التي أنزلها الله سبحانه وتعالى. لأن معنى هذا هو ترجيح قوانين عقل البشر الذي هو معلول بالنسيان ومليء بالخطايا على قوانين الحق جل جلاله الحكيم الحميد.

٣ - هو لا يعتقد أن القوانين الوضعية هي أحسن من القوانين وضعه الله تعالى بل يراها مماثلاً ومتشابهاً بها، فأمثالهم يقعون في الكفر مثل الصنفين اللذين سبق ذكرهما. فماذا فعل مثل هذا الحاكم الذي اعتقد هكذا؟ هو وضع قوانين البشر في مستوى قوانين الله عز وجل. لأن تسوية قوانين الله الحكيم العليم مع قوانين صنع البشر الذي هو محمول بالجهل والعجز وهذا يتناقض مع نصوص الآيات الكريمة.

٤  هو لا يعقتد أن القوانين الوضعية ليست في مستوى القرآن الكريم ولكنه يعتقد أن القوانين الوضعية تجوز الحكم بها. وإن أمثال هؤلاء الحكام ليقعون فيما وقعه من الحكام الذين سبق ذكرهم في الكفر.

لأنهم أجازوا الحكم بقوانين صنع البشر مع الأحكام المنصوصة من الآيات القرآنية. ذلك لا يجوز إطلاقاً.

٥ - الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات.

فلهذه المحاكم مراجع هما: القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني وغيرها من القوانين فأي كفر فوق هذا الكفر.

فالأتاتوركيون والحكام والنواب العامون الذين نصبهم الأتاتوركيون في تركيا هم داخلون في هذا الصنف الخامس، وهم غرقى إلى حناجرهم في المستنقع الذي وقعوا فيه.

 

جمال الدين بن رشيد خوجا أوغلي (قابلان)


RISALE

ZÄHLER

Heute 32
Insgesamt 3608053
Am meisten 7043
Durchschnitt 1479