الحاكمية ٨

08-05-2020

- ٨ -   الحاكمية

 

تشجيع بعض الناس الأتاتوركيين:

لقد نشرنا مقالة في العدد السالف تحت هذا العنوان. وقلنا "إن تشبيه أهل التوحيد اليوم بالخوارج، وتخصيص آيات المائدة للأهل الكتاب خطأ. وسنشرح هذا الموضوع بداية من هذا اليوم.

من هم الخوارج؟ ولنبحث عن جواب هذا السؤال: إن الخوارج هم مذهب من المذاهب الثمانية الاعتقادية الإسلامية. إن الخوارج هم نشأوا وتطوروا نتيجة مسألة "الحاكم" المشهور أثناء المعركة التي جرت بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- بمنطقة صفيين. هم أولاً ضغطوا على علي -رضي الله عنه- في تحكيم حاكم وقبول حاكم معين. واعتقدوا بعد ذلك أن المراجعة للتحكيم معصية كبيرة، وطلبوا من علي -كرم الله وجهه- أن يتوب عن هذه المعصية التي ارتكبها. لأنهم كانوا يعتقدون أن علياً قد كفر بقبول التحكيم. وكذلك زعموا كفر أنفسهم أيضاً لقبولهم التحكيم. واعترفوا أنهم تابوا عن هذه المعصية. وكذلك اعترفوا أنهم تابوا عن كفرهم بسبب قبولهم التحكيم عند زعمهم.

 

أوصاف الفرق بين الخوارج المشـتـركــة:

وهم افترقوا إلى طرائق قدداً، ولكن بينهم أوصاف مشتركة. ولنذكر بعضاً منها:

١ - إن منتسبي مذهب الخارجية يعتقدون أن كل مرتكب المعصية يدخل الكفر سواء كانت صغيرة أو كبيرة وتطرقوا إلى طرق تكفير الجميع.

٢ - إن الخوارج لم يفسروا الآيات ولم يحللوها بل حكموا وأصدروا القرار مراعاة لظواهرها.

٣ - لم يكَفِّر الخوارج أمثال الأتاتوركيين المعاصرين الذين هم يعادون الشريعة ويريدون تبديل الشريعة بنظام على حسب أهوائهم، بل يكفرون من هو يحترم علياً ومعاوية والشريعة ولكنه مع ذلك آثم بدرجة أن معصيته هذه لا تخرجه عن الملة عند أهل السنة والجماعة

٤ - إن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى. ويسمون بـ" أهل الكتاب" بتعبير القرآن الكريم.

٥ - من تخاطب آيات سورة المائدة؟ هل أهل الكتاب وحدهم فقط أم جميع الأمم. والجواب كالآتي:

٦ - إن أهل الشرك المعاصرين هم الأتاتوركيون والحزبيون.

٧ - وأما أهل التوحيد هي مؤسسة ترفض الأتاتوركية والحزبية فتعد هاتين الذهنيتين شركاً، منتسبة بأهل السنة والجماعة، ولن تتنازل قط، ولا تزال متمسكةً بالمراجع الشرعية وتتحدى معارضيها ومخالفيها وتسكتهم. وهم معروفون بتعريف حديث النبي صلى الله عليه وسلم: هذه الطائفة المعروفة من الأمة كما ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله." (مسلم)

وكذلك إن هذه المؤسسة ليست كأساتذة الزمن مثل محمد قرقنجيلار الذي يدافع عن الأتاتوركيين والحزبيين مثل من يقوم بوظيفة المحامي بالنظر إلى تفسير وتحليل آيات المائدة (٤٤، ٤٥، ٤٧) وليست مثل الخوارج الذين أخذوا طريق تكفير كل من عصى. بل باتباع طريق علماء أهل السنة والجماعة، وتقول للحق حقاً وللباطل باطلاً، وانطلاقا من هذه النقطة لم تتطرق طريق الإفراط ولا التفريط، مثل الخوارج وقرقنجيلار وتجري منورةً بأنوار الآيات المذكورة وبآية ٤٠ من سورة يوسف، وآية ١٠ من سورة الشورى ونقول -جميعاً آمنين- بأن القول "إن الحكم إلا للشعب" هو سمة الدخول في الشرك، وبأن القول "إن الحكم إلا لله" هو جزء لا يتجزء من عقيدة التوحيد، ومن هنا نقول ونعلن للعالم جميعاً بأن الأتاتوركيين والحزبيين هم من مخاطبي آيات (٤٤، ٤٥، ٤٧) سورة المائدة وهم الكافرون والظالمون والفاسقون. وبناء على هذا هم مشركون مجتمعون تحت سقف الشرك.

 

حكم الجاهلـية:

أفحكم الجاهليّة يبغون ومن أحسن من الله حكما لقومن يوقنون (المائدة:٥٠)

إن معنى الجاهلية محدد بهذه الآية الكريمة. فالجاهلية -كما يصفها الله ويحددها القرآن الكريم- هي حكم البشر على البشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج عن عبودية الله، ورفض ألوهية الله سبحانه وتعالى، والاعتراف بألوهية بعض البشر وعبادتهم من دون الله...

إن الجاهلية -في ضوء هذا النص- ليست معينة بزمن ما؛ ولكنها وضع من الأوضاع. هذا الوضع كان موجوداً بالأمس، ويمكن أن يوجد اليوم وغداً ، فيأخذ إذاً صفة الجاهلية ضد الإسلام.

والناس إما يحكمون بشريعة الله ويؤمنون بها وينقادون لها، فيدخلون في دين الله أو يكونون ثابتي الأقدام فاستقاموا واستمروا هكذا. وإما أنهم يحكمون بنظام وضعي فيقعون في مستنقع الجاهلية؛ والحاصل أن كل من يطبق شريعة ونظام أحد ما فهو من دينه ليس من دين الله،. وبتعبير آخر أن كل مكان يبتغى فيها حكم الجاهلية فلا يبتغى فيها حكم الله؛ والذي يرفض شريعة الله فيقبل شريعة الجاهلية ويعيش في الجاهلية. وهذا مفرق الطرق، يوقف الله الناس فيها. وبعد ذلك يطلق سراحهم! ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله.

ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون

نعم! فمن أحسن من الله حكماً؟

إن الذين يجرؤن على ادعاء أنهم يضعون للناس نظاماً فهل يستطيعون إتيان نظام خير من نظام الله عز وجل؟ وإتيان حكم أكمل من حكم الله عز وجل؟.. فأي مجنون يستطيع أن يواصل هذا الإدعاء؟

هل يستطيع أي إنسان أن يدعي: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله -سبحانه وتعالى- الذي شرع لنا شريعته الأخيرة، وأرسل رسوله الأخير؛ وأرسل رسوله خاتم النبيين، وأرسل رسالته خاتم الرسالات، وجعل شريعته الشريعة الأبدية لجهل أن أحوالاً ستطرأ، وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع؛ فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟

هل يستطيع أن يقول هذا القول الذي يبعد شريعة الله عن واقع الحياة، ويبدلها بحكم الجاهلية،؛ ويرجح هواه أو أهواء شعب من الشعوب، أو أهواء جيل من الأجيال البشرية على أحكام الله وشريعة؟

نعم! هل يستطيع أن يقوله؟.. وخاصة هل يستطيع الناس الذين يدعون أنهم مسلمون أن يدعي مثل هذه الدعوى؟!..

الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟ أليست هذه كلها في علم الله؛ وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟

هل من معاييب لشريعة الله استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والأحوال المتغلبة؟ أليست هذه كلها في علم الله عز وجل؟ وأن الله يحذر الناس ويذكرهم عواقبها.

يستطيع غير المسلم أن يقول ما شاء... ولكن المسلم؟ أو من يدعي أنه مسلم؟.. هل هو مسلم وأنه يقول هذه كلها؟ أو هل لا يزال عنده مثقال ذرة من الإسلام؟

هذا هو مفرق الطرق، والكل فيها حر باختياره؛ ولا حاجة إلى المحاكمة ولا إلى الجدال.

إما الإسلام وإما الجاهلية. إما إيماناً وإما كفراً. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية...

ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون. والذين لا يؤمنون بحكم الله هم ليسوا بمؤمنين...

إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم؛ وألا يتردد في تطبيقها على واقع الناس في زمانه؛ ويجب استسلام مقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق التي أعلنت إلى كل من الأعداء والأحباء!

إن هذه المسألة إن لم تصل إلى درجة قطعية لتخل ثقة الناس ويشوش نظامهم، ولا يستطيع أن يميز الحق عن الباطل، ولا يستطيع أن يخطو في الصراط المستقيم ولو خطوة واحدة!..

خلاصة: كما أن قوانين الوضعية تهبط شرف الإنسان ومجده، وتجعله عبداً للعباد؛ وأن قوانين الله عز وجل ونظامه تجعل الإنسان عبداً لله تعالى فقط وترفع شرف الإنسان ومجده درجات.

إن صاحب التفسير "زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي" بعدما ذكر مختلف الآراء في تفسير هذه الآيات لسورة المائدة يقول:

"وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له وهو يعلم أن الله أنزله كما فعلت اليهود فهو كافر ومن لم يحكم به ميلا إلى الهوى من غير جحود فهو ظالم وفاسق.") التفسير: ج:٢ ، ص:٣٦٦(

ويؤيد تفسير هذا المفسر ابن الجوزي ما روي عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال:

ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً للقرآن وجحداً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر ولكن من لم يحكم بما أنزل الله وأنه يؤمن بما أنزل الله فهو فاسق وظالم. (تفسير القرطبي: ج:٦ ، ص:١٢٤)

ويقال في تفسير الطبري:

"وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر كما قال ابن عباس لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي.") تفسير الطبري ج:٦ ، ص:٢٥٧(

يقول في تفسير القرطبي رواية عن ابن مسعود وحسن:

قال ابن مسعود والحسن هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومستحلا له فأما من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكب محرم فهو من فساق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. )تفسير القرطبي: ج:٦ ، ص:١٩٠(

قال إسماعيل القاضي في كتابه "أحكام القرآن":

"يشير ظاهر هذه الآيات الثلاث: إذا فعل أحد من المسلمين مثل ما فعل اليهود، أي إذا وضع أحكاماً غير أحكام الله ويرضى بهذه الأحكام ديناً فيعاقب مثل ما يعاقب اليهود."

ونذكر هنا بعض الأقسام من تفسير وهبي أفندي الذي يتعلق بموضوعنا:

"إن الآية تصرح لنا كفر من لم يرضوا بالأحكام الإلهية وكفر اليهود الذين غيروا الحكم الصريح في الزناة. وبناءً عليه، إن الذين لا يحكمون بما أنزل الله ويغيرونه هم لا يستحقون حكم المؤمن؛ وبذلك لقد أشيرت إلى فظاعة تغير الأحكام الإلهية. وإذا أردنا النظر إلى ظاهر هذه الآية الكريمة فيوجب كون الفاسق في حكم الكافر. لأن الفاسق قد أختار خلاف الأحكام الإلهية في ارتكاب فسقه واستدل بذلك مذهب الخارجية على كفر الفاسق، ولكن رُد عليهم ببيان فخر الرازي بياناً: "والفاسق قد ارتكب خلاف أحكام الله بسبب إلا أنه لا يكفر لأن فسقه باللسان وبالظاهر وأنه يصدق بقلبه أن هذه الأحكام حق وأن الفسق الذي ارتكبه إثم. لأن الكفر هو الإنكار بالقلب والجحود باللسان لهذه الأحكام الإلهية. والفاسق مؤمن لتصديقه بالقلب. ولكن الحكم بغير ما أنزل الله من قبيل ارتكاب الذنوب الأخرى مع الإيمان بها. إذاً أن معنى حكم هذه الآية الجليلة أن من يحكم بغير ما أنزل الله مع جحوده وإنكاره كلياً يكف، وهذا هو التوجيه الصحيح في هذه الآية الكريمة مع التوجيهات الموجودة الكثيرة."

 

جمال الدين بن رشيد خوجا أوغلي (قابلان)


RISALE

ZÄHLER

Heute 1124
Insgesamt 3584906
Am meisten 7043
Durchschnitt 1476